مرزق مدينة عريقة ضاربة في أعماق
التاريخ ولذلك تميزت في كل شيء خاصة أفراحها حيث أكسبها مكانها الجغرافي
مكانة مهمة في سطور التاريخ كونها كانت ملتقى القوافل القادمة من البحر
والمتجهة إلى الصحراء ثم أفريقيا.
الكل يسمع عن الفن المرزقاوي الشائع في مختلف أنحاء البلاد وهنا ينبغي
التنبيه إلى أن الفن المرزقي(أي فن مدينة مرزق) يختلف عن الفن المرزقاوي
الذي نسمعه وينسب إلى مدينة مرزق، حيث يتميز فن مدينة مرزق باللحن العذب
والإيقاع الخاص وبلاغة الجملة المغناة، وقوة التعبير.
وهنا نحاول ان نوضح العرس في مدينة مرزق كيف يكون وكم هي عدد ايامه وبماذا يتميز كل يوم عن اليوم الآخر..؟
يوم التسحيق
هو يوم عند أهل العروس تقوم النساء فيه بدق وطحن المواد العشبية ويسمى سحق
لتتكون منها المواد المعطرة بعد استقبال المدعوات وفي مقدمتهن الشيخات
ويصلن قبل شروق الشمس حتى لا يراهن أحد وهن في زي جميل متعطرات ماشطات
شعورهن وما امكن من الحلي وخاصة الخلخال وفي حوالي الساعة التاسعة يتناولن
طعام الإفطار بجلوسهن في دائرة سبع أو ثمان يُقدم الطعام وهو عبارة عن
عصيدة ((بازين)) بالملوخية أو بالسمن والسكر وأحياناً( فتات ميدو) ويكون
توزيع الطعام بما يسمى ماعون ،ماعون الشيخات، ماعون للحدادة ،مواعين
للحاضرات مواعين للطبخات ويسمى الطعام بعصيدة الرشاد.
تبدأ الشيخات بالزغاريد بعد هذا الإفطار الدسم وفتح العلاقة ((القفه))
علاقة العريس ثم علاقة العروس تقدمها أم العروس لكبيرة الشيخات ومن ثم
تعرض ملابس العروس على الحاضرات ولا تدخل امرأة البيت إلا بالزغاريد،
وتقوم كبيرة الشيخات بفتح المواد العشبية وتوزيعها على الحاضرات لتنظيفها
وتنقيتها مما هو غريب وتوزيع (المهاريس والطبقان) على الحاضرات لدق
البنجيل ويدعون لبدء الدق ((امرأة راجل )) ويقصدن بها المرأة التي لم تطلق
أبداً ولم تتزوج رجلاً آخر بعد زوجها وتتقابل على كل مهراس خشبي كبير
امرأتان بعمودين كبيرين يتناوبان على الدق ويصل عدد المهاريس إلىثلاثة
لهرس الأشياء مثل المستكة والعود والجاوي ويرددن ترنيمات غنائية مع الدق
وهي :-
اللهم صلي عليه * صلاة الله عليه
يربح من صلى عليه * ياراقد صلي عليه
ياقاعد صلي عليه * صلوات الله عليه
عيون رقية شبحات * إللي خزرنه طاح مات
عيون رقية سود وبيض * إللي خزرنه طاح مريض
بعد الانتهاء من الدق تقوم الشيخات بإعداد الروائح والبخور من تلك المواد
منها ((الخمرة)) وهي تتكون من البنجيل والمستكة والقمام والعياطة وتكون
على شكل دوائر صغيرة تذاب في الماء ويتعطرن بها .
ومنها الخمرة السوكنية مثل النوع الأول مع إضافة عطور كثيرة لها ويكون حجمها أكبر يدهن بها جسم العروس يوم الدخلة.
وهناك نوع آخر يتكون من القرنفل والورد والعياطة وحبات (قمام ومستكة))
توضع في القلال بعد أن يبخر بالمستكة ويصب فيه زيت الزيتون ويغطى جيداً
بالسعف ولا يفتح قبل أربعين يوما.
كما تصنع النساء من تلك المواد بخوراً على شكل أقراص يشعل بالنار وتخرج
منه تلك الرائحة الساحرة كصحراء مرزق..وفي نفس الوقت تعرض ملابس العروس
كلها في جو من الزغاريد وتتعالى نغمات الزكرة من الحدادة في حفل فني ترقص
فيه النسوة ويقدمن الطبقان ((الطبق يعني اعطاء مبلغ من المال للحدادة تحية
للعروس)) فيقول لهن بنفس الكلكات كل مرة مع تغير الاسم فقط ((عليكن
يالبنات حاضرات وغايبات كبيرة وصغيرة من غير تخصيص وعليك يالعروس أنت
ومقامك من فلان الفولاني أوفلانة الفلانية ثلاث مرات ويستمر الحفل وينتهي
اليوم بمغادرة المعازيم ليعدن في اليوم التالي ولايبقى في المنزل مع
العروس سوى الأهل والجيران والمشاطة والشيخات وبعض الجيران.
يوم الجهاز
وهو اليوم الثاني في الفرح وفيه يستعرض ماأعده الزوج من ملابس وأدوات زينة
فيأتي الحداد رأسا إلى منزل العريس وبعد العصر يحملون الجهاز فيركب طفل
صغير فوق الحصان وتعلق كل الملابس على الحصان الذي يقوده الشاب الصغير
وحوله جمع من المغنين حتى منزل المغنين ويعد مكان على الحائط تعرض عليه كل
الملابس ويضاف عليه كل ما أعدته أسرة العروس لها مثل الدمالج والختم
كالمراكب والحباسة والصالحة والتراتر.. والقلوب والوزرة الحمراء والخضراء
وغيرها والعباء التي تعد أكبر قطعة في الملابس وحال لسان العروس يقول :-
يا وحلتي في هذه العبا * ياوحلتي ماي مطفلة
ياوحلتي في هذه العبا * يا وحلتي من يغسلها لي
يا وحلتي في هذه العبا* يا وحلتي في الشمس مرميه
ويبدأ أول حفل في هذا اليوم بما يسمى الجهاز..
يقف أمام هذا العرض كل الحاضرين من رجال ونساء ويقوم الحدادة بعزف لحن مع
إيقاع معين بدون كلمات ليرقص الرجال والشيخات بما يسمى السح ومن رقصات
رقصة الطير وجا النبي ورقصة الباقول ورقصة الدودة وينتهي هذا الجزء من
الحفل لتقدم وجبة العشاء التي أعدتها العروس تساعدها جارتها بمواعين عيش
كل من لها دين مسبة.
التخمير
يبدأ بعد العشاء حوالي الساعة العاشرة ليلا يخرجون العروس من غرفتها إلى
الخارج وتجلس على كرسي وتحيط بها الفتيات في سنها وتضع المشاطة على رأس
العروس البخارة وتكون مغطاة بالكامل ووجهها عليه مروة المصنوعة من السعف
وتلتف حوله النساء والحدادة أمامها ليبدأ الحفل بعزف مقطوعات غنائية مكونه
من اثنين وعشرين لحنا ومعزوفة وكل معانيها تجهز العروس لحيتها الجدة خمس
ساعات تتخللها الطبقان والزغاريد.
يوم الدخلة
وهو اليوم الثالث من أيام الفرح وفي صباحه الباكر تكمل المشاطة مشط شعر
العروس الذي يصل إلى ستين قرناً أي ضفيرة مربوطة بالخيوط ومعطرة بالخمرة
ومدهونة بالزيت المقطر،ويقوم العريس بتجهيز الجحفة أي الكرمود الذي يوضع
على الجمل وتجلس عليه العروس وهو مصنوع من النخيل محاط بعباءة وقطعة قماش
حمراء مثبته بشوك النخيل ويوضع فوق مدخل البيت بعد دخولها.
يقود الجمل أحد المساعين إلى منزل العروس ويرش أمامه الخمرة ،أما العروس
بعد تجهيزها للمغادرة إلى منزلها الجديد فيغنون لها سبع طرق أي معزوفات من
أغاني التخمير ثم يركبونها على الجمل ولسان حالها يقول:-
على خير يا بيت بوي * تبقى بالعافية
كان متت رحت * وكان جيتك زايرة
دار الشتاء عيت من البكاء * والمطبخ قال يا نواستي
بعد خروجها والد العروس يقدم النقود إلى أقاربها كما يقدم الطبقان لوداعها
ويمر الموكب على أضرحة المرابطين والشيخات للبركة بدون غناء أو رقص لحين
عبور هذة الأماكن ويتقدم الموكب امرأتان الأولى تحمل البخور والأخرى
الخمرة إلى أن يصل الموكب إلى المنزل فيقوم أهل العريس بالترحيب بها بقولهم
:-
عافية يالافية * إن شاء الله دخولك عافية
وفي مدخل البيت تذبح ذبيحة تتخطاها العروس وتدخل منزلها وتجلس ناحية
الشرق فيأتي أحد الأقارب ويضع يده على رأسها ويقرأعليه سورة الإخلاص وأية
الكرسي وسورة قريش ثلاث مرات ،أمام العريس بحضور أصدقائة وشيخ الأولاد
فيستحم ويحلق وجهه ورأسه ويرتدي ملابسه المكونة من سورية بيضاء وسروالها
طاقية حمراء وبلغة وحرز والمروحة السعفية وجرده الأبيض فيخرج مع رفاقة إلى
المسجد ليزف بالبشير والنادير فيرددون:-
الباشير النادير * السراج المنير
سيدنا محمد * صلى الله عليه
ويدخل العريس إلى منزله وتسلمه المشاطة العروس بقولها هذه أمانتك ويتركان
لقضاء أول ليلة لهما سوياً ، يطرق العريس على الطبل ثلاث مرات ليعلن أن
زوجته بكراً، وفي الصباح تأتي المشاطة لتزين العروس استعدادا للخروج بها
للصباح ويتوجه العريس للمنزل الذي سيجلس به مع أصدقائة لتناول وجبة الغذاء
ويسمى المقيل.
يوم الصباح
وهو اليوم الرابع من أيام الفرح العروس فيه تكون في أبهى حلة يلبسونها
ويزينونها تأتي النساء المهنيات الحادية عشرة صباحاً ويصل الحدادة فيخرجون
العروس من غرفتها وتجلس على الكرسي وسط النساء يجلس لها الحدادة وتزغرد
النساء ويغنون لها:-
صباحك بالخير يامسك وعنبر * صباحك بالخير يا وجه يجعر * صباحك بالخير يا بنت ناس كبار * صباحك بالخير يالي مادرتي العار
وتستمر الحفلة في الغناء والرقص إلى موعد الغداء
لا يختلف الحال كثيراً عند العريس حيث يسمى بالمقيل ويدعو أصدقاءه لتناول
وجبة الغداء التي يشاركون فيها بإحضار الطعام من منازلهم كسلف و دين..
وبعد تناول وجبة الغذاء يكلف العريس المدعو بالسلطان طيلة أيام الفرح أحد
الحاضرين بإعداد الشاي وتبدأ جلسة جادة ضاحكة محاكمة ومعاقبة المخالفين
لنظام العادات في الفرح في ذلك الاجتماع ، وفي المساء يأتي الحدادة والرجال
والنساء الدكداكة وهو حفل ساهر بحضور العروسين.. يستمر حتى وقت طويل في
جو من الطرب إلى أن ينسحب العروسان وتنتهي مراسم الفرح لتبدأ حياتهما
الجادة .. ولكن ما هي أهم المشاكل التي تواجه الشباب اليوم في الزواج حيث
من الملاحظ تأخر الشباب في سن الزواج.
على أي حال لا يوجد غلاء في المهور فالمتوسط يكون 500 دينار مع 150 غراماً
ذهباً ولا يشترط على العريس أن يقدمها كاملة بل حسب استطاعته ولكن يبقى
المسكن هو العبء الكبير على الشباب خاصةمع ارتفاع اسعار مواد البناء.
اليوم في 7:52 am
السبت 31 مارس 2012, 3:25 am
